الترجمة في الحروب المعاصرة تلعب دورًا كبيرًا في فهم الواقع والتعامل مع الجهات المتصارعة بذكاء وترتيب أمني متكامل، فالحرب ليست مجرد دفاع عسكري وآلات حربية بل هو أيضًا صراع فكري بين جهتين مختلفين في اللغة والعلم والثقافة الاجتماعية وهنا يأتي دور الترجمة وأهميتها ليس فقط في النشرات الإعلامية والمؤتمرات الدولية ولكن أيضًا في ترجمة التحقيقات مع أسرى الحرب أو لترجمة نصوص قد وصل إليها أحد أفراد النزاع بطرق التجسس لخدمة مصالحه، وهنا تكون الحاجة إلى الترجمة ليست رفاهية بل هي إلزامًا يسعى إليه من يريد الانتصار.
كما أن البحث في تاريخ الحروب والحاجة إلى ترجمته تدفعه الرغبة الملحة في فهم الآخر والتكتيكات العسكرية والأوضاع السياسية السائدة لتصحيح الأخطاء والاستفادة من الخبرات الاستراتيجية والفنية المستخدمة في الحروب.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر:
فإن الولايات المتحدة الأمريكية قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، كان لا يوجد اهتمام بدراسة اللغة العربية لنظرتهم المترسخة بصعوبة التمكن منها وتعقيدها وكذلك رؤيتهم المتمركزة حول ثقافتهم الأمريكية ونظرتهم الدونية لما يخالفهم، ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر تأججت أزمة الولايات المتحدة الأمريكية في إيجاد مترجمين مؤهلين بين المواطنين الأمريكيين، فلديهم تسجيلات استخباراتية وتحقيقات مع المتهمين والأسرى ولا يوجد مترجمين أمريكيين يتقنون اللغة العربية لترجمة كل هذه المعلومات الهامة لفهم ما يدور من تنظيمات أو تحالفات سياسية. والأمر الأكثر أهمية من وجود مترجم محترف هو وجود مترجم مأمون ومواطن أمريكي يحمل الولاء في قلبه حتى لا يقف في صفوف الأعداء أو يكون عميلًا يتقاضى الأموال مقابل التعاون مع الجهات المعادية. ومنذ هذه الأزمة بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في الاهتمام بتدريس اللغة العربية في جامعاتها لتأمين الكوادر المهنية من المترجمين المؤهلين والاهتمام بوضعهم الاجتماعي وتوظيفهم في مراكز هامة، وعدم الاستعانة بمترجمين من خارج البلاد لما له من مخاطر في زراعة الجواسيس من الجهات المعادية داخل كياناتهم الحكومية.